الثلاثاء، ديسمبر ٠٤، ٢٠٠٧

من رسائل ابن عربى : الدرة البيضاء – العجالة – عقيدة أهل الإسلام


من رسائل ابن عربى الدرة البيضاء – العجالة – عقيدة أهل الإسلام([1])

تنوعت مصنفات ابن عربى تنوعا كبيرا ، وهناك بعض الرسائل التى امتازت بمنهج خاص بها عرضنا لنماذج لها فيما سبق .

كما أن له رسائل أخرى لا تمتاز بمنهج خاص ، وهو ما سوف نتكلم عنه الآن .

1- فمن ذلك رسالته ((الدرة البيضاء)) ، وهى من رسائله الكلامية المهمة ، ، ويربط فيها بين الاعتقاد والتصوف والسلوك بسلاسة واقتدار ، والذى تحدث فيها عن مشكلة الوجود ، ونظرية الفيض والعقل الأول وعارض بها نظرية الفارابى ، وبين فيها أن الله تعالى هو الوجود المطلق لا عن عدم ، وأن كل ما سواه فهو موجود به ، وتكلم فيها عن علاقة الصفات الإلهية العلية بالذات الإلهية ، ثم تكلم عن حدوث العالم ووجوده من العدم ، ثم تكلم عن نظريته فى العقل الأول ، وأنه جوهر فرد قائم بنفسه غير متحيز فى المذهب الأصح ، تجلى له بذاته فأفاض عليه المعلومات كلها ، ثم أخذ يلتمس لهذه النظرية أصولا إسلامية من روايات الحديث الشريف الواردة فى فضل العقل ([2]). ثم أخذ فى الكلام على القلم أو الروح الكلى كما سماه بعضهم أو الحق المخلوق به أو العدل ، أو اللوح عند بعضهم ، ... .

وينبه ابن عربى على الفرق بين نظريته فى العقل الأول وبين نظرية الفارابى فيقول : ((واعلم أن هذا العقل الأول الصادر من الله تعالى وحده وصدور الأشياء على التوالى ما ذلك لما يقتضيه وجود الحق ، وأنه مثلا لا يمكن أن يصدر عنه إلا واحد ، وأن هذا محال ، ولكن أراد ذلك وشاء ، ولو شاء الله أن يخلقهم فى الآخرة دون الدنيا ، وينزل كل منزول منزله ومسكنه من غير تكليف سابق لم يكن ذلك عليه بعزيز ...))([3]) ثم أفاض فى بيان ذلك ، إلى أن قال : ((ثم اعلم أن معنى قول من قال إن الواحد لا يصدر منه إلا واحد فليس كما تخليه مخالفوا أهل الحق المطموسة بصائرهم عن الاستبصار بنور الشرع والعقل السليم ، حيث تحكموا فى معرفة موجودات لا يصح إدراكها إلا بطريق الكشف وأخبار الصادق عن الله لا غير لا بالفكر ... وهذا هذيان طويل لا تحصيل له))([4]) ، ثم أخذ فى بيان وجه ذلك .

ويؤكد فى سبيل ذلك على أن كلامنا على ترتيب نضدد العالم وتوقف بعضه على بعض فإنما هو على حسب ما رتبه الله للعالم ، لا على أن ذلك يقتضيه حقيقته ، وأنه لا يجوز إلا ذلك ، بل يمكن هذا الترتيب ، ويمكن خلافه ، ويمكن أن يوجد الله عالم الأجسام قبل عالم الأرواح ، ويقرر قاعدة مهمة توضح وجهة نظره فى معنى الوجوب والإمكان ، والفرق بين الوجوب الذاتى والوجوب الشرعى فيقول : ((والممكن لا يصير واجبا أبدا لذاته ، ولا يعقل وجوب شىء إلا لذاته ، والوجوب الشرعى لا يزيل الممكن عن حقيقة إمكانه ، ولو صح أن يصير الممكن واجبا يقتضيه العقل لاقتضى أيضا أن يصير الواجب ممكنا وأدى ذلك إلى بطلان الحقائق ، ولم يبق بأيدينا علم أصلا))([5]) .

وهو فى هذه الرسالة يصب الكلام صبا ، وينتقل من كلام إلى آخر دون أن يجعل أبوابا أو فصولا أو تراجم من أى نوع ، بل الرسالة من أولها إلى آخرها كالفقرة الواحدة لأنها تتكلم عن مسألة واحدة ، من ثم يقول فى خاتمتها : ((وبسطنا القول فيها وكررنا من أجل فهم الناظر فيها فإنه ليس كل فهم يكون له سرعة النفوذ وفهم الكلام الموجز)) ، وهذه هى الإشارة الوحيدة فى الرسالة عن منهج تصنيفه فيها : بسط القول – التكرار – مراعاة فهم الناظر فى الرسالة – الكلام الموجز يحتاج إلى سرعة نفوذ الفهم .

2- ومن رسائله المهمة أيضا ((العجالة)) ، التى خصصها للكلام عن القلب الإنسانى الذى هو عبارة عن الحقيقة الجامعة بين الأوصاف والشئون الربانية ، وبين الخصائص والأحوال الروحانية والطبيعية ، وبها أعنى حقيقة القلب تنشأ عرصتها وتنسبط أحكام شأنها ، وتظهر من بين الهيئة الاجتماعية الواقعة بين الصفات والحقائق الإلهية والكونية ، وما يشتمل عليه هذان الأصلان من الأخلاق والصفات اللازمة ، وما يتولد من بينها بعد الارتياض والتحنك والتزكية وزوال الأحكام الانحرافية وغلبة الاعتدال ... فالسير والسلوك والرياضة وكل ما هنالك فهو لتحصيل الرتبة الاعتدالية الواقعة بين أحكام العلم والاعتقاد الصحيح ، وبين الأعمال والأخلاق والصفات على مقتضى الموازين العقلية والشرعية([6]) ، ثم تطرق بعد ذلك إلى الكلام عن التوجهات القلبية ، وكيفية الحضور القلبى فى الذكر ودفع الخواطر ،والتوجه القلبى والتدرج فى الذكر والترقى ، بقطع التعلقات الظاهرة والباطنة وتفريغ القلب من جملة الارتباطات الحاصلة بعد الإيجاد بين الإنسان وبين الأشياء كلها([7]) . وكيف ينتقل من النفخة الأولى إلى النفخة الإلهية الثانية التى يعبر عنها القوم بالتأييد القدسى ، أو بالتنزلات الملكية ، أو بالمنازلات ، أو تجليات الأسماء والصفات ، ثم بعد ذلك يكون التجلى الذاتى المستلزم بما لا ينال وما لا يعرف سره فى غير الكمل([8]) .

والرسالة على أهميتها للسالك أرسلها مؤلفها فى الإجمال ، وإن كان فصل فى بعض الأحيان بين موضوعاتها بفصول قليلة ، ينتقل بها من موضوع إلى آخر ، فى سلاسة ويسر ، ويقول فى خاتمتها : ((وما ذكرنا فى هذه العجالة وإن كان أصلا جامعا فإنما يأخذ كل أحد منه ما يستعد له ، وما يساعد عليه وقته وحاله ، فإنما يأخذ كل أحد منه ما يستعد له ، وما يساعد عليه وقته وحاله ، و{ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} ... ))([9]) .

3- ومن رسائله القيمة أيضا رسالة ((عقيدة أهل الإسلام)) ، الذى يذكر فيها عقيدته ، ومن هنا تكتسب أهميتها فى بيان ما هو عليه من اعتقاد ، فمن ذلك قوله : ((تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها ، أو يكون بعدها أو يكون قبلها))([10]) ، وقوله ((علم الكليات على الإطلاق ، كما علم الجزئيات بإجماع أهل النظر الصحيح واتفاق))([11]) ، ومما قاله بخصوص السمعيات : ((وإنى مؤمن بكل ما جاء به صلى الله عليه وسلم ما علمت به وما لم أعلم ، مما جاء به وقرر ...)) .

وقد صدر رسالته بقوله : ((أشهدكم بعد أن أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضر من الروحانيين أنى أشهد قولا وعقدا أن الله إله واحد ...))([12]) ، وختمها بقوله : ((فهذه شهادتى على نفسى ، أمانة عند كل من وصلت إليه أن يؤديها ...))([13]) .

وهى من رسائله السلسلة السهلة الأسلوب ، وقد صار فيها على طريقة عامة العقائد المختصرة من سرد الكلام سردا ، وإن كان يمتاز كلامه عليها بالنفس الصوفى الظاهر على هذه الرسالة .


([1]) ابن عربى ، الدرة البيضاء ، ومعها رسالتان : العجالة ، وعقيدة أهل الإسلام ، بتحقيق د. محمد زينهم محمد عزب ، القاهرة : مكتبة مدبولى ، ط 1 ، 1413هـ / 1993 م ، 62 ص .

([2]) ابن عربى ، الدرة البيضاء ، بتحقيق د. محمد زينهم محمد عزب ، القاهرة : مكتبة مدبولى ، ط 1 ، 1413هـ / 1993 م ، (ص 13 – 15) .

([3]) ابن عربى ، الدرة البيضاء ، (ص 21) .

([4]) ابن عربى ، الدرة البيضاء ، (ص 22) .

([5]) ابن عربى ، الدرة البيضاء ، (ص 23 ) .

([6]) ابن عربى ، العجالة ، (ص 28 - 29) .

([7]) ابن عربى ، العجالة ، (ص 35) .

([8]) ابن عربى ، العجالة ، (ص 36) .

([9]) ابن عربى ، العجالة ، (ص 42 – 43) .

([10]) ابن عربى ، عقيدة أهل الإسلام ، (ص 46) .

([11]) ابن عربى ، عقيدة أهل الإسلام ، (ص 49) .

([12]) ابن عربى ، عقيدة أهل الإسلام ، (ص 45) .

([13]) ابن عربى ، عقيدة أهل الإسلام ، (ص 53) .

السبت، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٧

الطريق الصوفى وفروع القادرية فى مصر للدكتور يوسف زيدان


من أهم ما قرأته فى الفترة السابقة هذه الدراسة المتميزة للدكتور يوسف زيدان كعادته فى أغلب دراساته ومؤلفاته ، ويمكن عرض أهم ملاحظاتى حولها فى النقاط التالية :
1- أستطاع الكاتب تكوين مذهب صوفى واضح لسيدى عبد القادر الجيلانى من خلال الشذرات والإشارات التى امتلأت به كتبه المطبوعة .
2- قام الكاتب بالتأصيل والتأسيس لمذهب الجيلانى الصوفى من خلال نصوص الكتاب والسنة .
3- كما قدم مقارنات واضحة وعميقة لطريق سيدى الجيلانى مع مشايخ الطريق الآخرين ، مع توضيح الفرق بين مذهب سيدى الجيلانى الصوفى وبينهم .
4- من ثم استطاع الكاتب الكبير وببراعة فائقة وسهولة أخاذة أن يوقفنا على مفهوم الطريق الصوفى عند سيدى الجيلانى ، ومن خلال مذهب متكامل وواضح ومبنى على الكتاب والسنة كما هو الأصل والأساس فى الطريق الصوفى عامة .
5- استعرض الكاتب بعد ذلك بعض فروع القادرية فى مصر ، وقد احتوى كلامه فى هذا القسم على معلومات قيمة وثرية للغاية .
6- أهم ما يميز هذا القسم – والدراسة بصفة عامة - هو النقد الواضح والحاسم والصريح لكل ما يخالف الكتاب والسنة والعلم الصحيح بهما ، دون مواربة أو مجاملة .
7- ولهذا وبحق يمكننى القول بأن هذه الدراسة من أفضل ما قرأته عن الطريق الصوفى من دراسات معاصرة .
8- يمكن الاطلاع على نسخة ألكترونية من هذه الدراسة بمكتبة المصطفى الألكترونية أوتحميله مباشرة من خلال الرابط التالىhttp://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=000286.pdf

الثلاثاء، يوليو ٣١، ٢٠٠٧

هارى بوتر - قراءة نقدية

هارى بوتر - قراءة نقدية
مدخل : أقرأ الآن قصص هارى بوتر الشهيرة ، فى ترجمتها العربية ، التى قامت بها أحد دور النشر الشهيرة بمصر (نهضة مصر) ، وصدرت منها حتى الآن ستة أجزاء .
لقد جذبت هذه القصص فى أول الأمر ابنى الكبير محمد (12 سنة) ضمن من جذبتهم على مستوى العالم كله ، فأردت فى بادئ الأمر أن أقرأها حتى أعرف ماذا يدخل إلى عقل ابنى ، خاصة أنه قصة غربية مترجمة ، ولأن الأدب أحد أوعية الفكر والثقافة والحضارة ، فقد أحببت أن أتعرف على هذا الذى يتسرب إلى عقل أحد أبنائى حتى أستطيع أن معالجة ما يحتاج إلى معالجة ، ونقد ما يحتاج إلى نقد .
ومع كونى فى الأساس متصلا بثقافة الغرب وأقرأ كثيرا من المترجمات إلى لغتنا العربية فى مجال الأدب والفكر والثقافة والفلسفة والدراسات الإسلامية ... ونحو ذلك مما يدخل فى إطار اهتماماتى الثقافية إلا أن مدخل قراءتى لقصص هارى بوتر فى أول الأمر هو : الرقابة الأبوية الضرورية لما يقرأه الأبناء . ثم توافرت المعلومات عن شهرة هذه القصص ، وانتشارها فى أوعية ثقافية مختلفة من أفلام ورسوم متحركة وألعاب كمبيوتر ، بل وملابس وألعاب للأطفال تحاكى أدوات أبطال القصة ، إذن هذه القصص ستشكل وجدان جيل أو أكثر أكمله ، وسأجد نفسى – كرجل مشتغل بالإسلام – عند التواصل مع هذه الأجيال بحاجة إلى معرفة جيدة بما شكله وجدانه ، حتى يكون تواصلى معه جيدا ، وحتى أستطيع أن أنقل له الإسلام بأساليب تناسبه ، وتناسب طرائقه فى التفكير والخيال والوجدان .
لقد كانت مهمة المشتغل بالدعوة قبل عصر العولمة أسهل كثيرا ، حيث تتشكل وجدانات الناس من خلال الأدب الشعبى ، والأمثال ، والأعراف السائدة ، والتواصل المستمر مع علماء الدين فى المسجد والحياة اليومية ، وكل ذلك كان يؤدى إلى ثقافة سائدة واحدة متقاربة وغير متعارضة يتشكل من خلالها ضمير الأمة وعقلها الجمعى وأسسها الاجتماعية ، ولهذا كانت مهمة رجال الدعوة أسهل وأقرب .
أما الآن فى عصر العولمة الثقافية بكل تناقضاتها وتعقداتها ، فليس هناك ثقافة سائدة واحدة ، وليس هناك ضمير واحد للأمة ، وليس هناك عقلى جمعى واحد يتفق على أسس اجتماعية واحدة لما يقبله المجتمع أو يرفضه ، ومن هنا صار كل هذه الصراعات والمشكلات الاجتماعية الراهنة .
ومن جهة أخرى أعترف أن القصص استطاعت أن تجذبنى - رغم أنها كتبت فى الأساس لصغار السن – لمستواها الأدبى المتميز ، وخيالها المتسع ، لقد استطاع الكاتب أن ينشأ حياة أخرى خفية موازية لحياتنا ، واستطاع أن يعطى لهذه الحياة الأخرى كل أدواتها وتفاصيلها الدقيقة فى براعة وتكامل .
ولست هنا فى معرض النقد الأدبى لهذه القصص ، فلهذا الأمر أدواته ورجاله ، لكن أعجبنى فى الحقيقة قدرته على السرد ، والعناية بتفاصيل الشخصيات ، وتصوير المشاهد والمواقف فى دقة بالغة وبكل رتوشها .
لقد استطاع أن يقدم الكاتب متعة وإثارة وتشويقا هم – فيما أظن – سبب هذه الشهرة والنجاح على مستوى العالم ، خاصة وأنه يقدم ذلك من خلال إطار أسطورى متشابك مع الإطار الواقعى المعاش ، فلم يقدمه فى إطار أسطورى محض ربما لا يتقبله الكثيرون ، ولا فى إطار واقعى محض ربما يفر منه الكثيرون أيضا .
ومهما قيل عن الأدب للأدب ، والفن للفن ، يعنى أنه من الممكن أن يقدم أدبا من أجل الأدب والمتعة الفنية والأدبية فحسب دون محتوى قيمى أو أيدلوجى ، وإنما فقط من أجل الأدب والمتعة ، فإنى أرى أن هذه الدعوى أيضا محملة بمحتوى قيمى أنه : لا قيم ، ولا أيدلوجيا ، فهذه الدعوى تعلن موت القيم والأيدلوجيا ، وأن يصبح الإنسان بلا قيم ، وإنما يبحث عن المتعة فحسب ، والمتعة هنا بمعناها الواسعة وليس المحصورة فى المتعة الجنسية فقط .
ومن هنا فأنا لا أستطيع أن أتلقى أى وعاء ثقافى دون أن أنتقد محتواه القيمى ، وأتحقق من مدى ملائمته لقيمى كمسلم .
وفى هذا الإطار أقرأ وأتفرج وأتلقى هارى بوتر أو غيره من أوعية ثقافة الغير ، لا أتلقاه بعقل نائم ، ولا بعقل غافل ، بل بعقل يقظ ناقد مستبصر ، ولهذا لا أخاف من قراءة أى شىء ، أبحث فيه عما يفيدنى ، وأتعرف منه على ما يدور فى الدنيا حولى ، وأدرك به ما يشكل وجدان الناس وعقولهم .
وفى إطار هذا المدخل يمكن تقديم بعض الملاحظات :
1- تطرح قراءة القصص منذ البداية سؤالا عن إمكانية تقديم أدبا عولميا ، وليس أدبا عالميا ، حيث إن هذه القصص كتبت فى عصر العولمة (الأرض قرية صغيرة وعالم واحد) ، وليس العالمية (حضارات وثقافات متعددة من ينجح فى مخاطبة المشترك يصير عالميا) ، والإجابة أن الكاتب ما زال – رغم أنه يعيش فى الغرب – يعيش فى عصر العالمية ، وفى عصر مركزية الغرب للحضارة الحديثة ، والكاتب منحصر تماما فى جغرافية بلاده المملكة المتحدة ، رغم أن العالم السحرى الأسطورى الذى صاغ قصصه فى إطاره قادر تماما على كسر حواجز الجغرافيا ، لكن الكاتب الغربى الذى تربى وجدانه على مركزية الغرب ومركزية حضارته لا يجد حاجة إلى ذلك لأنه فى المركز أصلا بحسب تصوره الحضارى . ولهذا فإن مفهوم العولمة الغربى هو مفهوم خطير للغاية مبنى على مركزية الحضارة الغربية وهامشية الحضارات الأخرى ، حيث أصبحت الحضارة الغربية = الحضارة الإنسانية ، وهذه منتهى الأنانية والمركزية والتهميش لحضارات الآخرين ، والعولمة لا تعدو أن تكون إعادة لما صنعه الغرب بحضارة الهنود الحمر (= إبادة) . ولا أدرى لماذا لم يستغل الكاتب الإمكانات الهائلة للإطار السحرى الأسطورى فى الترويج للعولمة الغربية ، هل له موقف فكرى منها ، حيث صمم الكاتب أن يقف على حدود العالمية التى كانت سائدة فى الغرب حتى تسعينيات القرن العشرين . أم أنه فشل فى التأقلم مع تلك العولمة التى يريدون أن يروجوها بيننا بشتى السبل .
2- ينقلنا ما سبق إلى سؤال آخر : هل يمكن تقديم أدب إنسانى رفيع يخاطب المشترك بين كل الناس ؟ لا شك أن محاولة تقديم مثل هذا ستكون تجربة إنسانية رفيعة المستوى ، وإن كنت أؤمن تمام الإيمان أن الإنسان لا يستطيع أن يتخلى عن تحيزاته الفكرية والثقافية والقيمية حتى وهو يبحث عن المشترك محاولا الابتعاد عن المختلف ، فإن معالجة المشترك أيضا لن تخلو من تأثر بالمختلف ، ولهذا فإن أعظم الكتاب والأدباء إنسانية لم يستطيعوا أن يتخلصوا من هذا أبدا . لكن كاتب هارى بوتر لم يحاول من الأساس أن يبحث عن المشترك ، أو يتخلص من المختلف أو يخفف من حدته ، بل هو غارق حتى أذنيه فى موروث الغرب الشعبى والأدبى والأسطورى عن السحرة ومصاصى الدماء ، وطلب الخلود ، لكن المؤكد أن الكاتب استطاع أن يتخلص من مسيحيته بصورة كبيرة إن لم تكن نهائية ، ففيما عدا الموقف الغربى من السحر الأسود وحرق السحرة ، وهو موقف كنسى فى الأساس ، واتهام الكنيسة للنساء بالهرطقة والسحر ثم إحراقهن أمر كان شائعا فى الغرب أكده الكاتب فى أكثر من إشارة ، فيما عدا ذلك لا أكاد ألحظ أثرا للمسيحية على الكاتب ، ولكن أثر العلمانية وقيم الاستنارة الغربية ظاهرة عليه تماما ، فهناك تأكيد دائم على محاربة الشر ، وعلى ضرورة انتصار الخير فى النهاية ، وأهمية الصدق ، والتزام القوانين العامة والنظام العام ، وعدم استثناء أى إنسان منها كبر شأنه أو صغر ، ومحاربة الفساد ، وأهمية الصداقة الإنسانية والأسرة ، ونقد القيم السلبية نحو الغرور والحسد والقسوة ونحو ذلك من القيم العظيمة التى نجحت العلمانية الغربية (ونرى نحن المسلمون أن هذه قيم إسلامية بالأصالة أخذها الغرب عنا) فى ترسيخها وتربية شعوبها عليها فى الجملة ، وإن كانت العلمانية الغربية تتعامل مع شعوب الآخر بقيم مختلفة مبنية على الأنانية والمركزية والاستغلال ، وهذه أحد مآزق العلمانية الغربية (النفاق الحضارى) ، بينما الحضارة الإسلامية – رغم ضعفها العام الآن – تتعامل فى الأساس مع الكل بمنظومة قيمية واحدة مبنية على العدل والصدق واحترام الآخر .
3- يمجد الكاتب فى إشارات عدة التقنية (التكنولوجيا الحديثة) والمخترعات ، ويقدمها فى صورة متناقضة طريفة تعلى من شأنها ، حيث يفاجأ السحرة دائما أن لدى العامة (غير السحرة) من الوسائل ما يجعلهم يتمكنون من تجاوز المكان أو الزمان دون سحر ، مما يثير إعجاب السحرة كيف استطاع العامة تحقيق ذلك دون سحر .
4- الإطار السحرى الأسطورى المتشابك مع الإطار الواقعى الذى التزمه الكاتب فى قصصه يؤكد على فكرة إمكانية وجود عوالم كاملة متوازية أو متشابكة ، وهو الذى نؤمن به كمسلمين بالفعل من عوالم الغيب والشهادة كعالم الجن والملائكة ، وحياة البرزخ ، والبعث والنشور ، وهناك فارق واضح بين الأسطورة والغيب والسحر . فهناك إذن ثلاثة مستويات : المستوى الأول : الأسطورة وأظن أنها تقع فى دائرة المباح طالما أننا نعرف أنها أساطير ، وفى الحديث الصحيح أن السيدة عائشة كان عندها فى صغرها الخيل ذوات الأجنحة كشىء يلعب به الأطفال فلم ينكره النبى صلى الله عليه وسلم ، وأن ذلك كان شائعا عندهم أنه من خيل سيدنا سليمان عليه السلام(
[1]) ، فإذن كانوا يتحاكون الأساطير ويرونها للأطفال ويجيزون ذلك ولا ينكرونه . إذن فتحاكى أساطير الأدب لا شىء فيه .
5- والمستوى الثانى : السحر ، ولا شك أن السحر (السحر الأسود) كفر ، ولهذا ربما حاك فى صدر القارئ المسلم ذلك الإطار الذى السحرى الذى صورت فيه هذه القصص ، وإن كان الكاتب يؤكد مرارا على محاربة السحر الأسود وأنه أمر شرير وأن الذى يعمل به من الأشرار الذين يحاربهم الجميع ، ويبقى الإطار السحرى الذى يصوره ويهيم فيه هو معروف عند المسلمين قديما بعلم الحيل ، والعلم بخواص الأشياء وطبائع الحروف والأرقام ، وهى علوم وقع الخلاف فيها قديما ، على أن الإطار الأسطورى الذى حيكت فيه القصص يجعل من السحر (= الحيل) أمر أسطوريا أيضا ، ولهذا فلا مانع عندى من قراءة مثل ذلك مع الانتباه إلى ألا يكون فى ذلك ترويج لأمر ممنوع ، وتسهيل لقبوله .
6- ويبقى المستوى الثالث : وهو الإيمان بالغيب عند المسلمين ، وهو عقيدة واجبة عند المسلمين ، ومن الغيب ما هو واقع بالفعل كالجن والملائكة والبرزخ لمن مات بالفعل ، ومنها ما سيقع حتما كيوم القيامة بأحداثه العظيمة ، وبينما يتقبل العقل المسلم هذا الغيب كجزء من عقيدته لصدق الكتب السماوية والأخبار النبوية عنده ، وعدم وجود ما يحيله العقل فى حدوث ذلك ، نجد أن كثيرا من مدعى الحداثة والتنوير يتوقف فى قبول كثير من السمعيات بدعوى أن عقولهم لا تتقبلها وحواسهم الظاهرة لا تدركها ، وهؤلاء ننصحهم بقراءة قصص هارى بوتر ومحاولة تنمية الملكات النفسانية الأخرى غير العقل كملكة الخيال ، وتنمية مدركاتهم الأخرى غير المدركات الحسية كالمدركات الباطنة ، ليعلموا أن هناك ما هو وراء الحس .وختاما فإن الإنسان حتى يظل محافظا على إنسانيته لا بد أن يحقق التوازن والانفتاح ، فكما هو بحاجة للحس بحاجة لما وراء الحس ، ولولا السعى لما وراء الحس ما ظهرت أغلب المخترعات الحديثة التى حاولت أن تنجح فى تجاوز عالم الحس بمحدوديته ونجحت فى ذلك فأصبحت ترى أبعد مما يستطيع بصرك أن يدركه بمفرده ، وأصبحت تسمع أبعد مما يستطيع سمعك أن يسمعه بمفرده وهكذا . ولهذا فأعجب لدعاة المدنية الحديثة كيف ينكرون عالم الغيب ، وخوارق الحس والعادة يصنعونها بأيديهم ولا تعجزهم ، فهل تعجز الخالق الصانع العظيم .
([1]) أخرج أحمد (2/288) ، وأبو داود (4932) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها (كالصفة تكون بين يدي البيت وقيل شبيهة بالرف والطاق) ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب فقال صلى الله عليه وسلم : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس . قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان . قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة ؟ قالت : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه .

الجمعة، يونيو ٢٩، ٢٠٠٧

التوحيد ، أو العقائد الإسلامية ، للشيخ محمد أحمد العدوى

التوحيد ، أو العقائد الإسلامية ، للشيخ محمد أحمد العدوى([1])
ناقش الشيخ العدوى فى هذه الرسالة الصغيرة التى بعض القضايا الرئيسية فى علم العقيدة ، وهى الترتيب : وجود الإله – تنزهه تعالى عن مشابهة غيره – وحدة الإله – قدرة الله ومشيئته – حياة الله تعالى وعلمه – سمع الله تعالى وبصره – كلام الله تعالى – أفعال الله تعالى وحكمته – حاجة الناس إلى الرسل – الأنبياء والرسل وصفاتهم – عموم رسالة النبى صلى الله عليه وسلم – المعجزة – البعث – اليوم الآخر – خاتمة فى السمعيات .
وقد استطاع فى هذه الموضوعات القليلة نسبيا أن يحقق منهجه الذى اقترحه فى المقدمة :
1- بأسلوب سهل
2- لا يكلف الناظر نظم دليل على أسلوب المناطقة
3- ولا بحث مقدمات على نمط علماء الكلام
4- بل أَلْفِتُه إلى النظر فيما حوله من الآيات ، وما يقع بصره عليه من عبر ...
5- فإن فى ذلك وأمثاله ما يكفى لتثبيت يقينه وتقوية إيمانه
6- أسلوب يسهل على العامة فهم دينهم
7- وينقذ الخاصة من تكلفهم فى استدلالهم ، وتشددهم فى طريق الوصول إلى عقائدهم .
وفى الحقيقة فإنه وفى بما ذكر بشكل متميز من خلال الموضوعات التى طرحها ، حيث نجحت محاولته المستمرة فى الفكاك من اللغة الاصطلاحية الفنية الدقيقة إلى اللغة الأدبية الشائعة التى تدرك معانيه من الدلالة المعجمية المباشرة ، وهذا أمر صعب يحسب للمصنف أنه استطاع تحقيقه ، فالقارئ للرسالة لا يقابل خلالها أى كلمة استعملت بمعنى اصطلاحى إلا مواضع جد قليلة منها : - عنوان (خاتمة فى السمعيات) .
لكن يؤخذ عليه أنه عندما حاول الفكاك من أسر الاصطلاح الكلامى تلخص معه أيضا مما يجب أن يحتفظ به : وهو الترتيب المنطقى الصناعى لمباحث علم الكلام .
ويمكن تلخيص ملاحظاتنا حول الرسالة فى الأمور التالية :
1- قلة عدد الموضوعات التى تناولها فى الرسالة .
2- النجاح الكبير فى الابتعاد عن اللغة الاصطلاحية .
3- اختيار موضوعات لا يدور حولها الخلاف .ويلاحظ أن مصنفها فرغ منها (22 جمادى الأولى سنة 1344 هـ ، الموافق 8/12/1925 م)([2]) ، وهو تاريخ متقدم بالنسبة إلى اتجاهات التجديد فى التصنيف والتأليف ، وهو ما يحسب للمؤلف الشيخ العدوى رحمه الله تعالى .
([1]) التوحيد ، أو العقائد الإسلامية ، للشيخ محمد أحمد العدوى ، القاهرة : مصطفى الحلبى ، 1352 هـ / 1934 م ، 48 ص .
([2]) كما هو مذكور فى خاتمة الرسالة ، ص 47 .

الثلاثاء، يونيو ٢٦، ٢٠٠٧

شرح أم البراهين ، للأنصارى فى علم العقيدة

شرح أم البراهين ، للأنصارى
وهو شرح نفيس للعلامة الشيخ أحمد بن عيسى الأنصارى ، ولا يتوفر لدى الآن أى معلومات عنه
والنسخة التى بين يدى صورتها ببيروت دار ومكتبة الهلال ، على طبعة قديمة كأنها طبعت بمصر فى منتصف القرن الرابع عشر الهجرى / منتصف القرن العشرين ، قطع صغير ، 92 ص . ولم يذكره سركيس فى معجم المطبوعات مما يعنى أنه طبع بعد سنة 1919 م .
أما المتن فهو مشهور ، وقد أشرنا إليه وإلى مؤلفه فى هذه المدونات عند الكلام على العقائد الدرية .
أما شرح الأنصارى فهو نفيس للغاية ، ومن الممكن لطالب العلم المبتدئ أن يقرأه بعد العقائد الدرية للهاشمى ، حيث إنه يوسع المباحث العلمية التى ألم الهاشمى بها إلماما سريعا ، ومن الممكن تلخيص مميزات هذا الشرح فى الأمور التالية :
1- أنه بنى كتابه على أحد أهم متون العقيدة المعتمدة ، مما يجعل الطالب وثيق الصلة بهذه المتون ، دون أن ينقطع عنها .
2- العناية البالغة بتوضيح كلام المتن ، وتسهيله للقارئ بحيث لا يدع منه شيئا غامضا .
3- الاهتمام الواضح بتقرير الأدلة والبراهين العقلية التى ذكرها المصنف ، وبيان كيفية القياس وترتيبه ، وبيان مقدماته ، ومن أى نوع هو ... إلخ مما يدرب الطالب على كيفية القياس .
4- الاهتمام الواضح ببيان القواعد العقلية التى بنيت عليها مقدمات البراهين ، بحيث يصل بهذه القواعد إلى حد البديهيات والضرورات ، مما يرسخ الفهم العميق عند القارئ ، ولا يدع شيئا إلا ذكر من أين مأخذه حتى يصل إلى المعارف البديهية أو الضرورية ، ومثاله (ص 36-37) .
5- بيان الأصول التى انبنى عليها كلام المصنف ، ومثاله برهان حدوث العالم ، حيث ذكر أن الأصول التى بنى عليها هذا البرهان سبعة أصول : إثبات زائد على الجرم – إبطال قيامه بنفسه - ... إلخ (ص 36) .
6- الاهتمام الواضح ببيان المعانى الاصطلاحية للألفاظ المستخدمة ، بحيث لا يدع القارئ فى حيرة من أمره .
7- عدم الاهتمام بالمباحث اللفظية ، والاعتراضات .
8- الاعتماد المطلق على مذهب أهل السنة والجماعة وتقريره على طريقة السادة الأشعرية .
9- الإشارة إلى خلاف الفرق كالمعتزلة والفلاسفة فى المسائل الرئيسية وتفنيد آرائهم وأدلتهم .
10- ومن القواعد العقلية المنثورة فى ثنايا الكلام : الترجيح بلا مرجح محال لأنه جمع بين النقيضين (ص 34) – نفى تغير الأعراض محال بالمشاهدة – قلب الحقائق محال (ص 37) – الجائز فى العقل لم يحدث كله (ص 39) – لا يثبت الحدوث إلا لمن حصل له الوجود (ص 39) – كل ما ثبت قدمه استحال عدمه (ص 39) – وجوب استواء المثلين فى كل ما يجب وما يستحيل وما يجوز (ص 40) – لا يحتاج إلى المحل إلا الصفات ، والذات لا تحتاج إلى ذات تقوم بها (ص 41) – الجوهر الفرد لا يقبل الانقسام (ص 43) – نفى العالم محال بالمشاهدة (ص 44) – نفى الحوادث محال بالمشاهدة (ص 46) - المحل القابل للوصف لا يخلو عن الاتصاف به أو بمثله أو بضده (ص 47) - لا يثبت الواجب إلا بنفى المستحيل (ص 47) - وبالجملة فهو شرح نفيس للغاية ، مهذب ، مفيد للطالب المبتدئ ، يصلح كنموذج للشروح التى تبعد عن المحكاكات اللفظية ، وتهتم بالضوابط والمصطلحات والأدلة .

العقائد الدرية شرح المتن السنوسية فى علم العقيدة

العقائد الدرية شرح المتن السنوسية
وهو شرح مختصر للغاية على متن السنوسية المشهور بأم البراهين للإمام السنوسى (السيد الشريف أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الحسين الحسيني الحسنى التلمساني المشهور بالسنوسي الأشعري ، عالم تلمسان في عصره، وصالحها ، ت 895 هـ)(
[1]) .
والشرح من تأليف الأستاذ الكامل الشيخ محمد الهاشمى ، أحد علماء الأزهر الشريف ، وقد فرغ من شرحه سنة 1330 هـ .
وقد طبع بالقاهرة : مصطفى الحلبى ، ط 3 ، 1377 هـ / 1958 م ، قطع صغير ، 40 ص .
والمتن أحد المتون المعتمدة بالأزهر الشريف فى علم العقيدة ، وقد تواتر علماء الأزهر الشريف على شرحه ووضع الحواشى على شروحه(
[2]) .
وقد وضع الشيخ الهاشمى شرحه فى أوائل القرن الرابع عشر الهجرى ، تلك الفترة التى شهدت الصدمة الحضارية مع الغرب ، وبدأ تيارات الإصلاح والتجديد إلى آخر ما هو مشهور متناول بتوسع فى غير موضع ، ولهذا فيمكن اعتبار شرح الهاشمى استجابة للحركة الثقافية والعلمية فى تلك الفترة ، ودليلا قويا على مدى استجابة علماء الأزهر الشريف للتجديد الأصيل ، بمعنى الارتكاز على مقومات الأصالة والتراث الإسلامى فى التواصل مع الزمان المعاصر .
ولهذا حافظ الشيخ الهاشمى على هذه الصلة بجعل شرحه على متن مشهور متداول ومعتمد إلى يومنا هذا ، وهو متن السنوسية أو أم البراهين للإمام السنوسى .
أما معالم التجديد فى شرح الهاشمى فتظهر فيما يلى :
1- مراعاة أن المتن مخاطب به المبتدئين ، ولهذا حرص على الابتعاد عن اللغة الاصطلاحية المتخصصة قدر الإمكان .
2- سهولة العبارة ، وعدم التعقيد .
3- عدم الاهتمام بالمناقشات اللفظية ، والتركيز على المباحث العلمية فحسب .
4- تمهيد ذهن الطالب للمستوى العلمى الأعلى بطرح رؤوس مسائل أوسع لم يتطرق إليه المتن ، ولكن يطرحها بأسلوب سهل وسلس تشويقا للطالب لاستمرار البحث والسؤال .
5- الالتزام المطلق بأصول أهل السنة والجماعة على ما قرره السادة الأشاعرة .
6- الاهتمام بتقرير الأدلة التى ساقها السنوسى فى متنه ، والتى اعتنى فيها بتقرير أدلة مسائل العقيدة من العقل أولا ، ثم من النقل ، على ما جرى عليه كثير من المتكلمين من تقديم الدليل العقلى ، لأنه لولا العقل لما أدركنا النقل ، لأن دليل العقل يصلح للمسلم وغير المسلم ، بخلاف دليل النقل فلا يخاطب به إلا المسلم المؤمن بالكتاب والسنة فحسب .
7- ومع كون السنوسى يقرر أدلته العقلية بناء على الأقيسة والقواعد المنطقية دون توضيح لكيفية ذلك اختصارا ، فإن الشارح مراعاة للمبتدئ يوضح كلام المصنف دون إيغال أيضا فى الناحية المنطقية ، بخلاف المتقدمين من الشراح الذين يعتنون ببيان كيفية ترتيب القياس الذى ساقه المصنف ، ومن أى نوع هو ، ومن أى شكل ، وكيفية إنتاجه ... إلخ تدريبا للطلاب على كيفية تقرير الأقيسة ، {ولكل وجهة هو موليها} .
وختاما فإن هذا الشرح من أفضل ما يقرأه طالب العلم المتبدئ فى علم العقيدة .

([1]) انظر ترجمته ومؤلفاته : كشف الظنون (1/170) ، هدية العارفين (2/61) ، معجم المطبوعات (ص 1058) ، الأعلام للزركلى (7/154) ، معجم المؤلفين (12/132) ، اكتفاء القنوع (ص 58) .
([2]) انظر بخصوصها : بحثنا : http://esamanas.googlepages.com/تاريخالمناهجالشرعيةفىالأزهرالشريففىالقرن